لطالما تبوأ الأردن مكانة مرموقة في مجال البحث الأثري، إذ يُعد منبعاً لعدد من الابتكارات الحاسمة في تاريخ الحضارات الإنسانية، ومن أبرزها اكتشاف الزراعة وتربية الماشية، إلى جانب بناء أولى المساكن البشرية قبل نحو عشرة آلاف عام، ما يجعله من أهم المواقع في فهم نشأة المجتمعات المستقرة.
ومنذ عام 2014، يواصل فريق من علماء الآثار الإسبان، بإشراف معهد ميلا إي فونتانالس التابع للمجلس الوطني الإسباني للبحوث العلمية (IMF-CSIC)، أعمال التنقيب في موقع خريسان بمحافظة الزرقاء. ويُعد هذا الموقع ذا أهمية بالغة لفهم التحول الجذري في نمط حياة الإنسان، من مجتمع بدوي يعتمد على الصيد وجمع الثمار، إلى مجتمع مستقر قائم على الزراعة وتربية الحيوانات.
وخلال موسم التنقيب لعام 2025، انتقل الفريق للعمل في منطقة جديدة ضمن الموقع الواسع، حيث تم الكشف عن بقايا مهمة لمنازل تعود إلى العصر الحجري الحديث، يتميّز بعضها بضخامته وتخطيطه المعماري. كما أحرز الفريق تقدماً ملحوظاً في دراسة الطقوس الجنائزية، من خلال العثور على تماثيل مجسّمة تمثل الموتى، ما يفتح آفاقاً جديدة لفهم المعتقدات الرمزية لتلك المجتمعات. بالإضافة إلى ذلك، تم الحصول على بيانات جديدة حول بدايات زراعة البقوليات، والممارسات الغذائية المرتبطة باستهلاك العدس والحمص، مما يعزز فهمنا للتطور الزراعي والغذائي في تلك الحقبة.
المحاضرة من تقديم الدكتور خوان خوسيه إيبانييث، الباحث في معهد ميلا إي فونتانالس – CSIC، وخوان رامون مونييث من الكلية البابوية في سان إستيبان بمدينة سالامانكا.
